حضر وفد من رجال و نساء الكنائس بأمستردام و النواحي لمتابعة خطبة و صلاة الجمعة بمسجد دار الهدى التابع للمعهد الإسلامي دار الهدى للتربية و التعليم بأمستردام، وتأتي هذه المبادرة للتعريف بشعائر المسلمين و قيمهم الحضارية لدى كافة الأطياف الدينية بهولندا، و التقريب بين الأديان و تعزيز التلاقي و التعارف و التعاون لخدمة القضايا المجتمعية الهولندية.
وقد خصص الشيخ الأستاذ عبد الإله العمراني مدير المعهد موضوع خطبته، للحديث عن الدين و الإنسان كقيمة جوهرية تجعل منهما منطلقا لكل الأعمال، فمدخلات الدين هي الإنسان، و مخرجاته هو الإنسان، فمهما اختلفت العقائد يبقى الإنسان هو العملة الموحدة التي نسعى للحفاظ على أمنها و حريتها و سلامتها في هذا العالم.
واستشهد الشيخ ضمن خطبته بعدد من الآيات القرآنية و الأحاديث النبوية الشريفة التي تعطي للإنسان قيمة كونية لدى مختلف الأديان و الشرائع ، و الإسلام أكد على هذا التوجه و ترجمه إلى قاعدة صلبة من السلوكات و المعاملات التي تبرهن على أن المسلم في خدمة الإنسان بغض النظر عن الدين و العرق و الجنس.
ومن ينظر الى الكتب السماوية التي أنزلت من عند الله، يقول الشيخ العمراني في خطبته، سيكتشف أنها كتب تهتم بشؤون الإنسان، وقد جاءت لخدمة الإنسان ولإسعاده ، والناظر في كتاب الله عز وجل القرآن يجد أن كلمة الإنسان تكررت في القرآن 63 مرة، وأن كلمة الناس تكررت 240 مرة، وكلمة بني آدم 6 مرات وكلمة العالمين تكررت أكثر من 70 مرة، وأن الآيات الخمس الأوائل التي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم من سورة العلق؛ في اثنتين منها تتحدث عن الإنسان. بل حتى في مجال، العبادات التي فرضها الله على المؤمنين كالزكاة والصيام والصلاة .. كلها فيها معاني إنسانية سامية جاءت لخدمة الإنسان بالدرجة الأولى.
وقد عَني الدين عناية خاصة بالجانب الأخلاقي كالرفق واحترام الآخرين والبر بهم والإحسان في الخطاب مع أهل الكتاب، وعدم إلحاق الأذى بهم وصدق الخطاب وما يتعلق به من آداب، كالرحمة والعفو والحلم والعدل والوفاء والصبر مع مذكراً بنماذج ومواقف في حياة النبي صلى الله عليه وسلم.
وفي معرض حديثه عن التسامح الديني ، وأبرز الشيخ أن ديننا الإسلامي يعترف بوجود أتباع مختلف الأديانـ وأنه ذكر ذلك بالتفاصيل في أكثر من مكان في القرآن الكريم ، قال تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [سورة البقرة:62].
وأما الاختلاف في تفاصيل العقائد والشرائع بين أتباع الأديان فهو أمر طبيعي اقتضته حكمة الله في خلقه. قال تعالى: ( لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَٰكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ۖ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48) المائدة)، وأن على المختلفين في أديانهم البحث عن مواقع الاشتراك والتوافق لينطلقوا منها في ساحة التعايش والتعاون لخدمة المصالح المشتركة كما يطلب الدين ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ [سورة الحجرات:13]
كما دعا الأستاذ العمراني الى التصدي للتعصب الديني وجعله أمراً منبوذاً، لما له من أثر كبير في تشويه صورة الدين، يقول تعالى (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ).
وفي الختام دعا الشيخ العمراني من الجميع، وخاصة رجال الدين والأئمة والخطباء وأرباب الكنائس والمعابد للإرتقاء بالخطاب الديني في أوساط الأتباع، ليكون داعماً ومواكباً نحو التسامح الديني والاجتماعي، وأن لا نقبل ولا نرضى بأي خطاب عنصري متطرف يتسلل الى منابرنا ومحيطنا، ليفسد علينا وحدتنا واستقرارنا في أوطاننا؛ قال تعالى : ( وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ).
وبعد انتهاء صلاة الجمعة تمت استضافة الوفد لوجبة غذاء على شرف الضيوف و كانت فرصة لتبادل الحديث عن آفاق التعاون و تفعيل مبادرات مشتركة لخدمة المجتمع الهولندي في عدة مجالات، كما عرف الشيخ عبد الإله العمراني مدير المعهد برسالة المعهد المنفتحة على الجميع و أنشطته التربوية و التعليمية المبنية على منهج الوسطية و الاعتدال و نبذ كافة أشكال العنصرية و التطرف، كما أشار لعدد من الملتقيات المشتركة التي نظمت سلفا مع مؤسسة الكنائس بأمستردام.
واختتم اللقاء بصورة تذكارية بفضاء المسجد تعبر على التسامح و المحبة بين الجميع باعتبار الإنسان مبتغى لروح الأديان.