تحتفل الأمة الإسلامية ببداية السنة الهجرية الجديدة كل عام، وهي فرصة للتأمل والتفكر في الماضي والمستقبل، و تذكير لنا بهجرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة، وهي أيضًا بداية للتقويم الهجري.
على كل مسلم أن يتذكر، ويراجع أحداث تلك الأيام ويتدبر، ويتفكر فيها، ويتعلم منها ويعلم أبناءه وأهل بيته، فهذا الحدث لم يكن مجرد سفر عارض، أو هجرة من مكان إلى مكان، بل هي رحلة مليئة بالأحداث والعبر، والتي يجب النظر فيها والتعلم منها.
فإن هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة لم يكن قرار بشري، بل هو وحي وأمر إلهي من الله سبحانه وتعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم، حيث اشتد الأذى به صلى الله عليه وسلم، وعلى أصحابه كذلك، وبدأت الدعوة تعرف طريقها إلى الناس، ومهد النبي صلى الله عليه وسلم لدعوته في مكان هجرته قبل أن ينتقل إليه.
وعندما نتأمل في بداية زمن منقضي من حياتنا لا مناص من جلسة تأمل ومراجعة ندعو فيها ذواتنا وأنفسنا الى التوبة والاستغفار، فسنة المصطفى صلى الله عليه وسلم تعلمنا أهمية العودة إلى الله والاستغفار من الذنوب. واستغلال هذه الفرصة لتقييم أعمالنا والتوبة من أخطائنا والسعي للتحسين والتطوير.
(فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّـهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّـهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). [سورة المائدة، آية: 39] (أَفَلَا يَتُوبُونَ إِلَى اللَّـهِ وَيَسْتَغْفِرُونَهُ وَاللَّـهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ). [سورة المائدة، آية: 74].
يمكن أن تكون بداية السنة الهجرية فرصة متميزة لوضع الأهداف والتخطيط للمستقبل، فنجدد التقييم لأهدافنا الشخصية ونحدد الخطوات اللازمة لتحقيقها، فمن المهم أن نتخذ القرارات الصحيحة ونركز على التنمية الذاتية المستمرة والتقدم في مسيرة الطاعات وصالح الأعمال.
تعزيز العلاقات الاجتماعية مطلب حقيقي يساعدنا في عامنا الجديد على تعزيز الوحدة والتفاهم بين المسلمين، والعمل على تكريس العدل والتسامح في المجتمع. ويمكننا أن نستثمر هذه الفرصة للتواصل مع أفراد أسرتنا وأصدقائنا وأن نعمل على بناء علاقات أكثر قوة وترابط.
يمكن للسنة الهجرية الجديدة أن تلهمنا لزيادة الاجتهاد والتعلم، وأن نبذل قصارى جهدنا في العمل والتطوير الشخصي. كقراءة الكتب الدينية وحضور المحاضرات والدروس الدينية والعلمية لتحقيق التقدم في مجالات متنوعة.
قال تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ) (الزمر: 9)، وقال تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ) (محمد: 19).
العام الهجري الجديد محطة للتفكر في العطاء والإحسان، ومساعدة الآخرين ونشر الخير في المجتمع. يمكننا أن نعمل على تعزيز التعاون والمشاركة في الأعمال الخيرية والمساهمة في تحسين حياة الآخرين، والانفتاح على كل المبادرات الانسانية بغض النظر عن الجنس والعرق واللون وحتى الدين. فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان، حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة.
هذه بعض التأملات التي توفر لنا فرصة لإعادة التقييم والتحسين وتنمية الطاقة والروح الايجابية، و العمل على تطوير أنفسنا وتحقيق التقدم في مختلف جوانب حياتنا، ولتكن قصة الهجرة النبوية الشريفة ملهما لنا في هذا العام الهجري الجديد.
قال تعالى: ﴿وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [النساء: 100].